الأربعاء، 1 سبتمبر 2010

رسائل لم تصل الى فاطمة

“لا أمس لي فيها سواك وما خرجت وما دخلت، إنما تتشابه الأوصاف كالصفصاف ماعزها سطور قصيدة رعوية ومحطة الإرسال ترسل صورة صوتية لمدينة ، تبنى على عجل، ويسقفها السحاب” محمود درويش “عليك أن تبحث عن منفد واسع للخروج من ذاتك” فاطمة الثلاثاء: استيقظ قبيل الظهيرة، لأغسل أدران المسافات بين الأمس واليوم، أحاول الإمساك ببعض تفاصيل الأحلام فلا أستطيع؛ يبدو أن الذاكرة ما عادت تحتفظ بشيء مما يطرأ عليها. قبل سنوات كنت أفخر بذاكرتي التي تستطيع تسجيل أدق التفاصيل، يبدو أنني حسدت نفسي. لكن لا بأس هناك ذاكرات بديلة بتنا نعتمد عليها أكثر من ذاكرتنا التي وهبنا الله إياها. لا بد من الذهاب للجريدة باكرا هذا اليوم فملحق شرفات التي أنهينا تنفيذه أمس يحتاج إلى بعض المرجعات، ثم علي أن أكتب شرفة السماء. يبدو أنني سأكتب الشرفة الأخيرة هذا اليوم، فشرفات سيتغير اعتبارا من الأسبوع القادم. لم يكن هذا الأمر سهلا علي ولا على رفاقي ولكن ثمة إيمان عميق بأن الأشياء لا تبقى على حالها، وأن كل شيء قابل للتغيير في عالمنا، والثبات مذبحة الأشياء كما يقول المتفلسفون. في الطريق الممتد بين الغرفة التي أقطنها فوق سطوح العذيبة والجريدة ثمة الكثير من الخواطر تنتابني، لا اعرف كيف أفسرها. ثمة رائحة من الماضي تحاول بإصرار أن تفتح أبوابها. هل نستطيع أن نتخطى الماضي أو أن نتجاوزه مهما كان لذيذا من وجهة نظرنا. أم أن حياتنا تنبنئ على طوب الماضي صلبا كان أم هشا. التأمل في هذا الجانب يعيد فتح تراكمات مؤلمة. لا بد أن أعبر هذه الإشارة قبل أن تتحول إلى اللون الأحمر وإلا سأنتظر طويلا حتى أستطيع ان أبصر اللون الأخضر مرة أخرى. الطريق بين مسقط وصحم يفتح أبواب الوحدة مرة أخرى. لا اعرف إلى متى ستستمر، ليس أصعب على الرجل من أن يقضي مساءته وحيدا إلا من الذكريات. الأربعاء: استيقظ فزعا كعادتي الصباحية منذ أمد ليس بالطويل، ثمة كوابيس تغتال صباحاتي رغم ساعات السهر الطويلة، ورغم أن يوم الأربعاء أول أيام إجازتي الأسبوعية.. صراعات كونية، وأفاع، ووحوش تداهم نومي فأقوم فزعا وكأنني أسقط من السماء الثامنة. لا عمل لي في هذا الصباح في الغالب إلا الرد على رسائل الأصدقاء الذين يعلقون على ملحق شرفات إيجابا أو سلبا، أظرف الرسائل غالبا تأتيني من الصديق سليمان المعمري الذي تعود منذ فترة تتبع أخطائي اللغوية أو الأخطاء التي قد تفوت المصححين. ولا يكون سليمان صائبا في كل رصده، فتخونه القاعدة أحيانا. قبل أسبوعين عندما حاورت الروائية جوخة الحارثية جاءني تعليق عبر البريد الإلكتروني من واحدة سمت نفسها ريم البرادعي إن لم تخني الذاكرة تستنكرعلى أن أكون على رأس فريق العمل في شرفات التي تصدرعن جريدة بحجم جريدة عمان. لا بأس قلت لها الحق في رأيها ووجهة نظرها إلا أنها تمادت واتهمتنا بأننا نكرس أسماء مكرسة في الثقافة العمانية وليس أدل على ذلك من حوارنا مع جوخة. شخصيا أعرف او أكاد لغة الرجل من لغة المرأة ولا أعتقد أن تلك الرسالة رغم أنها إلكترونية وصلتني من أنثى، فقد شممت فيها رائحة رجل له رأيه في الملحق، وهذا من حقه، لكنه لا يخلو من حقد دفين. في مساءات الأربعاء دائما ما ألتم مع الأسرة بمفهومها الواسع وأحاول أن أسترجع شيئا من العلاقات الاجتماعية التي بدأت أفقدها شيئا فشيئا منذ ما عملت في مهنة الصحافة. عموما لم أعرف يوما إن كنت اجتماعيا بطبعي أم أنني أميل إلى العزلة لكن حتما لكل منهما ضريبته الخاصة. الخميس: ليست المرة الوحيدة التي أصل فيها سوق السمك بولاية صحم متأخرا، دائما كان والدي يسخر مني ويجزم أنه من السهل أن يضحك على باعة السمك لأنني لا أعرف الأنواع الجيدة من الرديئة. البحر جزر اليوم على غير عادته، والسوق خاو أو يكاد. كلما دخلت هذا السوق أتذكر المشهد الأول من فيلم العطر، وكيف ولد البطل فيما كانت أمه تقطع السمك في سوق لا تنقصه القذارة فاستنشق أول ما استنشق في الحياة رائحة السمك في سوق عفن. ذهبت إلى مكان قصي في السوق بعد أن تأملت الوجوه أكثر من منظر السمك، في الركن القصي حاول بائع طاعن في السن غلفت وجهه السمرة والتجاعيد جعلت وجهه قابلا لأن يلتقط له مصور عماني صورة تصبح بسهولة عالمية وتفوز بجوائز عديدة. اشتريت منه بعض سمك الهامور الصغير، ولا أعرف لماذا تذهب دلالة هذا اللفظ إلى أصحاب الملايين فيقال عنهم “هوامير” رغم أن هذا النوع من السمك صغير مقارنة بأسماك القرش وغيره من القبائل التي لا أعرف لها اسما. سأعترف أنني لا أحب التسوق كثيرا، ربما أحب التجول أحيانا في بعض الأسواق لكنني لا أحب أن أذهب للتبضع، ويزداد هذا الشعور إن كنت برفقة زوجتي، دائما أقول إنني أذهب للشيء الذي أريده فاشتريه مباشرة بينما تأخذ هي ساعة في الانتقاء وقد تخرج دون شراء الغرض المطلوب الأمر الذي يعني انني سأعود مرة أخرى. أحيانا أحرضها على الشراء حتى لو كنا سنحصل على طلبها في مكان آخر وبسعر أقل. المهم أن نخرج من هذه الأماكن التي تسلع كل شيء. الجمعة: لن أتناول غدائي هذا اليوم، هكذا قررت بعد أن استيقظت وأنا عكر المزاج، الحياة في مسقط وفي الصحافة بالتحديد جعلتني أنسى أن علي تناول ثلاث وجبات في اليوم، كل ذلك تماهى في بعض معجنات وبعض عصائر نشربها بسرعة في المكتب دون أن يكون لها موعد محدد. لن أتناول غدائي هذا اليوم .. أعرف ان أم وسن ستعدها كبيرة من الكبائر لكني سأكون حاسما هذا اليوم ولن أرضخ تحت أي مبرر. الطريق بين صحم ومسقط طويل وقاس خاصة في هذه الظهيرة التي أخرج فيها. كانت والدتي تقول لنا لا تخرجوا في الظهيرة فهو وقت تخرج فيه الشياطين وتخرج فيه السحرة. وهذه الأخيرة لا أعرف لها وقتا بالتحديد هل تخرج في الليل حيث الظلمة الحالكة أم تخرج في الظهيرة حيث الشمس تقلي الحب كما يقول أبي. حسنا حسنا.. لو تأخرت فإن الصفحات التي علي أن أعدها في الجريدة ستبقى معي إلى آخر الليل وسيسمعني زميلي المناوب الكثير من عبارات التوبيخ على تأخري، وربما قيد ذلك في تقرير المناوب. هل سأقول له أنني آت من مكان قصي، وحذرتني امي أن أخرج وقت ظهور الشياطين والسحرة. كل ذلك لا يهم علي أن أصل وأتفق مع زميلي محمد الحضرمي ماذا عليه أن يفعل وماذا علي أن أفعل. •الآن وقد أويت إلى فراشي في هذه اللحظة المتلبسة بين الليل والفجر علي ان أفكر في أمر السحرة والشياطين، علي أن أصدق أنهم لا يأتون في الليل بل يخرجون في النهار، فيما الليل للسهارى والعائدين من حانات الليل وبنات آوى . علي أن أفكر الآن حتى أنام في غفلة من كل ذلك. السبت : هذا يوم استثنائي لي ولفريق العمل في شرفات، كنت طوال عام ونصف منذ توليت الإشراف على ملحق شرفات نبدأ التنفيذ يوم الاثنين ظهرا، هذا الأسبوع سيتغير كل شيء حتى شرفات التي ارتبطت تسع سنوات بيوم الأربعاء ستترك عادتها هذا الأسبوع وستصدر ثلاث مرات في الأسبوع. تعرفت إلى شرفات منذ العدد الأول حينما نشرت فيها نصا قصصيا وكنت حينها ما زلت أعتقد أنني قاص أو مشروع قاص، نشرت في شرفة القصة نصا بعنوان “ أين تيمم وجهك”. اليوم سنعمل على عدد الغد من شرفات في شكله الجديد. ليس أمرا سهلا أن يصدر الملحق ثلاث مرات في الأسبوع في بلاد عدد كتابها قليل، وليست لديها الكثير من القضايا الثقافية التي يمكن أن تطرح وتناقش بشكل شبه يومي. نحن أمام تحد كبير، وتحد كيف نستطيع أن نقنع قراء شرفات أننا يمكن أن ننجح حينما نتحول إلى جريدة شبه يومية ترصد المشهد الثقافي المحلي والعربي. سندخل التجربة إذن ولننتظر الغد. الأحد: على غير العادة استيقظت بهدوء تام، سكينة تدثر المكان، لا أعرف سر الأمر لكن حتما ثمة شيء غريب تلمست هاتفي لأكتشف أنني وضعته صامتا منذ ليلة البارحة. السر في الهاتف إذن . قرأت بعض الرسائل التي تعلق على شرفات في ثوبه الجديد.المفاجأة أن القاص خالد عثمان معجب بالملحق، وخالد عثمان كما يعرف الجميع لا يعجبه العجب ولا صوم رجب، فهو يضع كل شيء موضع النقد، هو يبحث عن الأجمل دائما. وكذلك هلال البادي كان معجبا بالملحق، ثمة ردود فعلا جميلة حتى الآن على العدد الأول من الملحق. أعتقد أننا تجاوزنا العتبة الأولى برضا القراء والوسط الثقافي . الزميل أحمد شافعي أخبرني أنه تلقى الكثير من ردود الفعل الطيبة على الملحق، رغم أنه أخبرني أن البعض كان مفتقدا لملحق قراءات الذي تماهى في شرفات. في المساء اتصل بي رئيس التحرير شاكرا الجهد المبذول في الملحق،هو خارج السلطنة ولا أعرف في أي دولة لكنه كان يتابع العمل أولا بأول، ولم ينس أن ينقل لنا ردود الفعل الجيدة التي وصلته على الملحق. الاثنين: هل علي أن أذهب باكرا للجريدة اليوم؟ ام أكسر الروتين اليومي بالجلوس لإكمال رواية ترمي بشرر للروائي السعودي عبده خال، أيام مضت منذ بدأت بقرأتها ولكنني لم أتمها حتى الآن. تغير سلوكي القرائي. كنت أقرأ الرواية في يوم، الحياة لا تبقي على شيء، لكن ثمة رغبة قوية في التمسك بالقراءة فهي المنقذ الوحيد من كل ما يحيط بنا. القراء عالم مختلف نشكله حسب ما نريد. الآن علي أن أفكر في أشياء جوهرية في هذا اليوم، قبل أن أغادر للجريدة وأنسى هناك الزمن، علي التفكير في مكان لتناول الغداء فقد مرت ثلاثة أيام لم أتناول فيها غدائي، ثم علي البحث عن حلاق أكنس فيه شعر لحيتي، لأفكر بعدها في امكانية الخروج في المساء، الخروج لمجرد الخروج فقط